السبت، 19 يوليو 2008

ليس القضاء والقدر.. وإنما البلادة الرسمية



فتح الله بكلمتين على محافظ مطروح، لخص فيهما حادث قطار مطروح الدموي.. بأنه "قضاء وقدر"!هكذا شاء أكبر مسئول بالمحافظة، إسدال الستار على واحدة من أكثر حوادث الإهمال دموية وبشاعة.صحيح أنه قضاء وقدر.. ولكنه يخفي ورائه العشرات من الأسباب التي أحالت شوارع مصر كلها إلى فوضى مرورية، يتخطف الموت فيها، أبنائها بالعشرات وبالمئات، حتى باتت أخبار الموت على الطرق، من تقاليد الحياة اليومية لا تثير دهشة المصريين!التريلا.. التي تسببت في الحادث، كانت بدون فرامل.. وبالتالي ـ وفق منطق المحافظ ـ فهو حادث عادي "قضاء وقدر" !!.. يعني: على كل "متفيهق" أن يبلع لسان، وورائه عشرات الأحذية، ولا يعترض على "القضاء والقدر".. فهو شرط من شروط الإيمان ـ يا مؤمن ـ كما ورد في الحديث الشريف!عندما تكون "تريلات الموت" ماشية على "حل شعرها" في الشوارع، فإن ذلك ليس "قضاء وقدرا" على نحو ما يفهمه المحافظ، وما يقصده من "إرهاب ديني" لكل من يريد أن يجاهر بالحقيقة، ويقول إن الإهمال والفساد في إدارات المرور في مصر المحروسة، هو الذي يقتل الناس على الطرق و أمام بيوتها وعلى الأرصفة وعلى المزلقانات.عندما يغرق السوق المصري، بقطع غيار السيارات "المضروبة"، ومنها ما يتعلق بأرواح الناس مباشرة، مثل "تيل الفرامل" و" الإطارات".. فإن ذلك ليس قضاء قدرا .. وإنما الفساد القاتل المستشري بين مفتشي وزارة التضامن "التموين سابقا" والجمارك، وكل الأجهزة الرقابية المناط بها مراقبة السوق، وأداء الموظفين العموميين المسئولين عن "جودة الإنتاج" أو تمرير البضائع عند منافذ مصر الحدودية.عندما تقطع السيارات الفارهة، لأبناء باشاوات الطبقة الرأسمالية الطفيلية الجديدة، الطرق السريعة والشوارع داخل المدن، بسرعات جنونية، وبدون لوحات معدنية، تدوس من تشاء وتشتم وتهين من يعترض، وتستعلي على خلق الله بمن فيهم ضباط شرطة المرور في الشوارع، فإن ذلك ليس قضاء وقدرا.. وإنما طأطأة الرؤوس وإذلال النفوس أمام كل تافه، ليس له أية كفاءة إلا القدرة على النصب والنهب وإفساد الذمم وشراء ضمائر كبار المسئولين.لقد نشرت الصحف يوم 14 يوليو الجاري 2008، حادث إبادة أسرة بالكامل "الزوج والزوجة والأبن" على يد ابن عميد شرطة، كان يتعلم القيادة على سيارة الشرطة.. وتساءلت الصحف يومها، ما إذا كانت الداخلية ستنفذ القانون على أحد رجالها، وذلك عشية تطبيق قانون المرور الجديد، الذي سيبدأ العمل به أول أغسطس الجاري؟!ورغم أن الحادث، كان قضية رأي العام، إلا أنه قد كُفي عليه ماجور، وبات طي التكتم المريب، ولا ندري كيف تصرفت سلطات التحقيق بشأنه!كل هذا الامتهان لحياة المواطن المصري.. ليس قضاء وقدرا.. وإنما بفعل هذه "البلادة الرسمية" التي لا تريد استئصال الشر من جذوره، لأنه بات جزءا منها، والظفر لا يخرج من اللحم كما يقول المصريون.

___________________

المصدر: مقال للكاتب الصحفي محمود سلطان بجريدة المصريون الإلكترونية يوم السبت 19 يوليو 2008

ليست هناك تعليقات: