الاثنين، 17 مارس 2008

سقوط بغداد وما أُثير عن دَوْرِ الشِّيعة فيه


هذا عنوان بحث علمي كتبه الباحث المصري الدكتور عبد المجيد أبو الفتوح بدوي وجعله خاتمة لكتابه التأريخ السياسي والفكري للمذهب السني في المشرق الإسلامي من القرن الخامس الهجري حتى سقوط بغداد، والذي نشرت طبعته الثانية دار الوفاء بمدينة المنصورة في مصر سنة 1408هـ/1988م.
وهو رسالة خصصها لبحث الإجراءات التي اتخذها الحكام والعلماء السنة للحد من نفوذ المذاهب غير السنية أو القضاء عليها ومن تلك الإجراءات ماقام السلاجقة خلال حكمهم والوزير نظام الملك والسلطان صلاح الدين الأيوبي وغيرهم مع شرح للأساليب المتبعة في حركة تعزيز المذاهب السنية والقضاء على ما يعارضها من مذاهب. ولما كان البحث أكاديمياً فقد سعى كاتبه إلى أن ينأى به عن التحيز لهذا الطرف أو ذاك، كما أنه لمَّا كانت الفترة التي سقطت فيها بغداد مما هو ضمن نطاق بحثه فقد خصَّص خاتمته لبحث ما قيل عن دَور للشيعة بهذا الشأن. وسننقل بعد ذلك بحثين أو ثلاثة مما يشبهه بالعِلمية والبحث عن حقيقة ما جرى على أرض الواقع وليس ما تمَّ تصوُّرُه في أذهان بعض الكتَّاب. ولما كان هذا البحث داخلاً في بحثنا الموسع الذي سميناه الإعصار المغولي من خوارزم إلى بغداد فقد ارتأينا نشر هذا البحث على أن نواصل التعقيب عليه بما تيسر لنا من المصادر التي لم يتمكن الباحث الكريم من الوصول إليه وهي كثيرة جداً ونخصُّ منها بالذكر المصادر التي عاش مؤلفوها شخصياً وقائع ذلك الغزو المدمر أو سمعوه من أفواه السفراء بين الحكام والملوك أو ممن وقع في أسر المغول ونجا. وفيما يلي نص بحث الدكتور عبد المجيد أبو الفتوح بدوي:
((سقوط بغداد وما أُثير عن دَوْرِ الشِّيعة فيه))
في هذه الخاتمة سأتناول بالدرس والتحليل ما أُثير عن دور الشيعة في سقوط بغداد على أيدي المغول. وعندما تُعالَج القضية في هذا الإطار فإن معالجتها لن تتطلب منا لأن نبحث عن أصول المغول ونشأتهم، أو تطور دولتهم إلا بالقدر الذي يلقي الضوء على هذه القضية التي نبحثها.
وبادئ ذي بدء نحب أن ننبِّه إلى أن الذين أشاروا بأصابع الاتهام إلى بعض عناصر الشيعة هم المؤرخون السِّنِّيُّون وعلى رأسهم ابن واصل، والمؤرخ الفارسي منهاج السراج الجوزجاني في كتابه طبقات ناصري الذي ألفه بعد سقوط بغداد بثلاث سنوات(2)، وكذلك أبو الفداء، وابن شاكر الكتبي، والسبكي، وابن كثير، والمقريزي، وأبو المحاسن، والسيوطي، والعماد الحنبلي. أما المؤرخ الشيعي الوحيد وهو ابن الطقطقى فقد انبرى لنفيِ هذا الاتهام، والردِّ عليه.
وكان اتهام المؤرخين السنيين منصباً على شخصيتين رئيسيتين: الأولى: شخصية محمد بن أحمد العلقمي (وزير الخليفة المستعصم)، والشخصية الثانية هي: نصير الدين الطوسي (مستشار هولاكو) وكلا الرجلين شيعي إمامي، وكما قلنا هما شخصيتان رئيسيتان ومعنى هذا ــ كما يرى بعض المؤرخين ــ أن عناصر أخرى من الشيعة أقل أهمية لعبت هي الأخرى دوراً في حدوث هذه الكارثة، أو أنهم على أحسن الفروض لم يقفوا بجانب إخوانهم السنيين في محنتهم بل كان لهم موقف مخالف تمثل في التودد لهولاكو والتقرب منه.
أما الاتهام الذي وجَّهه المؤرخون السنيون إلى الرجلين المذكورين فيتلخص في أن الأول وهو ابن العلقمي كان يكاتب المغول سراً، ويشجعهم على الزحف على بغداد والقضاء على الخلافة السنية. وفي سبيل أن تتحقق له هذه الغاية شجع الخليفة المستعصم على إضعاف جيش الخلافة، وتسريح الجزء الأكبر من عساكره، حتى يعجز هذا الجيش عن الصمود أمام المغول عندما يزحفون على بغداد.
والذي دفعه إلى هذا السلوك ــ في نظر هؤلاء المؤرخين ــ هو خلافة مع مجاهد الدين أيبك (الدويدار الصغير) قائد جيش الخليفة، وكذلك خلافه مع الابن الأكبر للمستعصم: أبو العباس أحمد، وكلاهما كان سنياً متعصباً، وشجَّعا السنة على ضرب الشيعة، وإحراق الكرخ في العام السابق مباشرةً لسقوط بغداد، أعني عام 655هـ/1257م وأُضير في هذه الحادثة بعض قرابة ابن العلقمي. ومن هنا يرى معظم هؤلاء المؤرخين أن هذه العملية كانت السبب في أن ابن العلقمي أضمر خيانة الخليفة والانتقام منه، ومن ثم عمل على تشجيع المغول على الزحف على بغداد، وإسقاط الخلافة العباسية السنية، وإحلال ملك علوي محل العباسي(3)، وقد تحقق له الشطر الأول من أمنيته عندما سقطت بغداد في أيديهم، وقُتل الخليفة المستعصم آخر خلفاء بني العباس في بغداد، ولكن الشطر الثاني من الأمنية: وهو إحلال خليفة علوي محل العباسي لم تتحقق حيث لم يوافقه المغول على ذلك حسب رواية بعض المؤرخين(4).
إذن هذه التهمة التي وجهها المؤرخون إلى ابن العلقمي، وبينوا أسبابها ودوافعها. أما التهمة المنسوبة إلى نصير الدين الطوسي فتتلخص في أنه هو الذي شجع هولاكو على قصد بغداد بعد أن حذره منجِّمه من هذا الأمر، وكان هذا المنجِّم سنياً ثم إنه أيضاً هو الذي أشار عليه بقتل الخليفة المستعصم(5).
هذا هو ما أجمع عليه ــ تقريباً ــ المؤرخون السنيون الذين سبقت الإشارة إليهم مع خلاف يسير بينهم في ذكر بعض التفاصيل، ونستطيع أن نبلور أراءهم في عدة قضايا تسهيلاً لمناقشتها:
  • إن ابن العلقمي كان السبب في إسقاط المغول لبغداد وقَتْل الخليفة العباسي، وإنه كان يهدف من وراء هذا إلى إقامة خلافة علوية محل العباسية.
  • إن ابن العلقمي كي يصل إلى غايته بذل جهده لإقناع الخليفة كي يسرِّح الجزء الأكبر من جيشه.
  • إن بعض عناصر الشيعة استقبلت هولاكو ورحَّبت به نكاية في السُّنَّة.
  • إن نصير الدين الطوسي شجَّع هولاكو على الزحف على بغداد، كما سهَّل عليه قتل الخليفة العباسي.

والآن إلى القضية الأولى التي ترى أن ابن العلقمي كان السبب في مجيء المغول إلى بغداد والقضاء على الخلافة العباسية. وهي قضية خطيرة تبنَّاها ــ مع الأسف ــ أكثرُ المؤرخين السُّنيين الذين أشرنا إليهم. ولقد كان في إمكانهم أن يكونوا أكثر واقعية لو أنهم اقتصروا على اتِّهام ابن العلقمي بمجرد خيانة الخليفة وإخوانه من السنَّة دون أن يجعلوه السبب الرئيس في غزو بغداد؛ ذلك أنه في وقت الشدائد والمحن قد يسعى بعض ضعاف النفوس إلى النجاة بأنفسهم ولو كان ذلك على حساب أهليهم وذوي قرباهم. أقول كان من الممكن أن يكون هؤلاء المؤرخون أكثر واقعية لو أنهم اقتصروا على اتهام ابن العلقمي بهذا دون إسناد سقوط بغداد برمَّته إليه، لأنهم أنفسهم كانوا يتابعون نشاط الزحف المغولي على شمال العراق في مؤلفاتهم عاماً بعد عام حتى وصل الأمر إلى أن أصبحت المناطق القريبة من بغداد مركزاً لنشاطهم وغاراتهم المخرِّبة. وقد بدأ هذا النشاط منذ عام 617هـ/1220م، ووصل إلى قمَّته في أواخر عهد المستنصر العباسي (ت سنة640هـ/1242م) الذي بذل جهده في تقوية الجيش حتى وصل عدد العساكر في عهده إلى 100000 تقريباً. وما فَعَلَ ذلك إلا لإحساسه بالخطر المحدق به، ومن ثَمَّ استعدَّ لمواجهته.


وهكذا نرى أن سقوط بغداد لم يكن مفاجأة لأحد، كما أن المغول أيضاً لم يكونوا في انتظار من يكاتبهم ليطمعهم في بغداد أو يدلُّهم على عوراتها، فلعلَّهم كانوا أكثر علماً بنقاط الضعف فيها من أهلها، ذلك أن نشاط المغول في المناطق القريبة من عاصمة الخلافة يمكن تقسيمه إلى مرحلتين:

الأولى: صرفوا جهدهم فيها إلى اختبار قوة المسلمين في هذه المنطقة والتعرف على مدى قدرتهم على الدفاع عن بلادهم، وقد بدأت هذه المرحلة منذ عام 618 هـ/1221م عندما علم الخليفة الناصر لدين الله بأن المغول يستعدون للنزول على مدينة إربل فأرسل إلى صاحبها مظفر الدين كوكبوري يأمره بالاجتماع مع عساكره لأبعادهم عن أملاك الخليفة، كما كتب أمير الموصل، والأشرف موسى بن العادل الذي اعتذر باستعداده للمسير إلى مصر لنجدة أخيه الكامل ضد الحملة الصليبية الخامسة النازلة إلى دمياط فسار كوكبوري مع بعض عسكر الخليفة سوى ثمان مئة جندي، فلم يَرَ أن يخاطر بنفسه وبالمسلمين(6).

وانسابت الغارات المغولية في منطقة الجزيرة الفراتية تخرب وتدمر، وتقتل وتسبي وتنهب دون أن تجد في طريقها من يردها على أعقابها، وذلك على أثر الهزيمة التي أنزلوها بجلال الدين الخوارزمي في عام 628هـ/1230م، ونتيجة لذلك توصل المغول إلى حقيقة هامة أشار إليها ابن الأثير بقوله عنهم: إنهم لما عادوا أخبروا ملكهم ((بخلوِّ البلاد من مانع ومدافع، وأن البلاد خالية من ملك وعساكر فقوى طعمهم))(7).


وترتب على إدراك المغول هذه الحقيقة أن ديار بكر والجزيرة الفراتية والمناطق القريبة من بغداد ظلت مسرحاً لغاراتهم منذ مقتل جلال الدين حتى سقوط بغداد في عام 656هـ/1258م ففي عام 635هـ/1237م قام المغول بغارتين على أعمال بغداد، فكاتب الخليفة المستنصر ملوك الأطراف يستنجدهم، وخرجت العساكر للقاء المغول فهزم عسكر بغداد،وقتل منهم خلق كثير(8)، وتكررت غاراتهم على أعمال بغداد في عهد الخليفة المستعصم في عامي: 643 ــ 647هـ/1245 ــ 1249م فقتلوا، وأسروا، ثم عادوا(9).


ومن هذا يتضح أن القوم لم يكونوا بحاجة إلى من يطلعهم على أسرار بغداد أو يطعمهم فيها فلقد جاسوا خلال الديار وتجوَّلوا قريباً منها، ووقفوا على نقاط القوة والضعف فيها واختزنوا ذلك كله حتى تتهيأ الظروف الملائمة للقضاء على هذه الخلافة. وأغلب الظن أنهم عقدوا العزم على تنفيذ هذه الخطوة منذ وقت مبكر قبل أن يصبح ابن العلقمي ذا نفوذ في عاصمة الخلافة، وليس أدل على ذلك من أن المغول لم يحاولوا الاستقرار في المناطق التي كانت مسرحاً لغاراتهم: كديار بكر والجزيرة الفراتية، وإنما كانوا يعودون أدراجهم بعد الغارات الكاسحة التي يشنونها على بعض المدن في هذه المناطق. لقد أجَّلوا هذا إلى أن تسقط بغداد في أيديهم، لعلمهم أن القضاء على هذه الخلافة سيقضي على هذا الخيط الرفيع الذي ما يزال يربط الأمة الإسلامية، الأمر الذي سيجعل احتلالهم هذه المناطق وغيرها من ديار الإسلام أمراً ميسوراً، وأكثر استقراراً.


وبدأ المغول في تنفيذ المرحلة الثانية عندما تولى ((مانكوخان)) بن تولي بن جنكيزخان إمبراطورية المغول في عام 649هـ/1251م(10)، إذ انتهجوا سياسة جديدة تجاه غرب آسيا لم يكن هدفهم فيها مجرد الإغارة والنهب، بل سعوا في هذه المرحلة الجديدة إلى الاستيلاء على البلاد الإسلامية في العراق والشام ومصر، وآسيا الصغرى، وإخضاع هذه البلاد لسلطانهم حتى تصبح جزءاً من إمبراطوريتهم، وكان من الواضح أن المرحلة الأولى التي حاولوا فيها اختبار قوة المنطقة، وكشف أحوالها قد تَمَّت بنجاح، وأصبح لديهم من المعلومات عنها ما يمكِّنهم من تحقيق أهدافهم في المرحلة التالية.


وعهد مانكوخان بتنفيذ هذه السياسة الجديدة تجاه غرب آسيا إلى أخيه هولاكو فحدد له مهمتين أساسيتين وهما: القضاء على الإسماعيلية في فارس، وإسقاط الخلافة العباسية(11)؛ وباشر هولاكو تنفيذ المهمة الموكولة إليه في عام 651هـ/1253م حيث أرسل طلائع جيشه للقضاء على قلاع الإسماعيلية(12)، ثم نزل هو على عاصمتهم أَلَمُوت في أواخر عام 654هـ/1256م(13)، ومن هناك حاول جس نبض الخليفة المستعصم، فأرسل إليه يطلب منه مدداً من الجند، فلم يلبِّ له طلبه، واكتفى بإعلان الطاعة والخضوع(14).


ومعنى هذا أن هولاكو قد بدأ في تنفيذ سياسة المغول تجاه الإسماعيلية، وتجاه الخلافة قبل عام 655هـ/1257م وهو العام الذي حدثت فيه الفتنة بين السنة والشيعة في بغداد وتدخل فيها ابن الخليفة، وقائد جيشه لصالح السنة، وشجعا على إحراق الكرخ، الأمر الذي أثار ابن العلقمي ودفعه ــ كما يقول معظم المؤرخين السنيين ــ إلى مكاتبة المغول، ودعوتهم إلى بغداد(15).


ومن هذا يتضح أن المغول لم يكونوا ينتظرون دعوة ابن العلقمي لأنهم كانوا في الطريق إلى تنفيذ مهمتهم قبل أن تحدث هذه الفتنة التي اعتبرها المؤرخون سبباً في خيانة ابن العلقمي. كما أنهم لم يأتوا إلى بغداد تلبية لدعوته، إنما تنفيذاً لسياسة رسموها لأنفسهم، وتتويجاً لجهودهم التي بذلوها في المرحلة الأولى والتي استهدفت الإغارة والنهب والاستكشاف. وإذا بطل أن ابن العلقمي كان السبب في مجيء المغول إلى بغداد، وقضائهم على الخلافة يبطل بالتالي ما ذهب إليه بعض مؤرخي السنة من أنه كان يهدف من وراء هذه الخطوة إلى نقل الخلافة للعلويين. وعلى أن بعض مؤرخي السنة: كابن واصل وابن كثير ذكرا في هذا الصد أمراً غريباً وهو أن هذا الوزير كان ينوي نقل الخلافة إلى أحد الفاطميين مع أن ابن العلقمي شيعي إمامي، والفاطميون إسماعيلية، مما يرجِّح أن مؤرخي السنة الذين تبنوا هذا الاتهام لم يكونوا متحققين مما ذهبوا إليه(16).


والقضية الثانية: أن ابن العلقمي بذل جهده لإقناع المستعصم بتسريح الجزء الأكبر من عساكر الخلافة حتى ييسِّر على المغول مهمَّتَهم. وهذا ما ذهب إليه السبكي، وابن كثير، والمقريزي، وأبو المحاسن(17).


ولكنا من خلال استعراضنا لآراء هؤلاء المؤرخين وغيرهم في الخليفة المستعصم نكاد نجزم بأن هذا الخليفة لم يكن بحاجة إلى من يقدم له النصح حتى يقوم بتسريح الجزء الأكبر من جيشه الذي تعب أبوه في تكوينه، فقد أجمعوا على وصفه بالبخل والشح، والحرص على جمع المال من أي مصدر حلالاً كان أم حراماً، ولنستمع إلى رأي ابن كثير فيه يقول:


((كان سنياً على طريقة السلف، واعتقاد الجماعة، ولكن كان فيه لين، وعدم تيقظ، ومحبة للمال جمَّة، ومن جملة ذلك أنه استحل الوديعة التي استودعه إياها الناصر داود بن المعظم وكانت قيمتها نحو من مئة ألف دينار، فاستُقبح هذا من مثل الخليفة، وهو مستقبح ممن دونه بكثير، بل إن مِن أهل الكتاب مَن إنْ تأمنه بقنطار يؤدِّه إليك))(18). فبعض أهل الكتاب أكثر حرصاً على أداء الأمانة من المستعصم خليفة المسلمين. ويتابع أبو الفداء تطور أمر هذه الوديعة بين الخليفة والناصر داود فيذكر ما يمكن أن يضيف إلى صفات هذا الخليفة قلة الشهامة وانعدام المروءة، ذلك أن الناصر وصل إلى بغداد مع الحجاج العائدين واستشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى يردَّ المستعصم عليه وديعته، فأرسل له مَن حاسَبَهُ على كل ما وصله ــ أثناء ترداده على بغداد ــ مِن قِبَل الخلافة، وأدخل في الحساب كل ما قدَّمَ له أثناء استضافته من لحم وخبز، وعَلَفٍ لدوابِّهِ، وغير ذلك، وثمَّنَ عليه ذاك كلَّه بأغلى الأثمان؛ ثم أرسل إليه الخليفة بعد ذلك شيئاً يسيراً من المال ((وألزمه أن يكتب خطَّه بقبض وديعته، وأنه ما بقي لا يستحق عند الخليفة شيئاً، فكتب خطَّه بذلك كرهاً))(19).


إنَّ خليفة بهذه الصفات لم يكن بحاجة إلى ابن العلقمي كي يقدِّم له النصح بتقليص عدد الجُند. وحتى لو سلَّمنا جدلاً بأن هذا حَدَثَ، فإن هذا النصح ما كان ليؤتي ثماره لولا أنه صادفَ هوىً في نفسه ولاءمَ طبعه ومزاجه، وفي هذه الحالة يكون من الظلم أن نلقي بالتبعة على ابن العلقمي وحده وننسى دور الخليفة في هذا الأمر، وهو دَور رئيسي وأساسي، ويشير إلى ذلك ابن الفوطي بقوله: ((وكان الخليفة قد أهملَ حالَ الجُندِ ومَنَعَهم أرزاقَهم وأسقطَ أكثرهم من دساتير العرض، فآلت أحوالهم إلى سؤال الناس وبذل وجوههم في الطلب في الأسواق والجوامع))(20).


أما القضية الثالثة، وهي أن بعض عناصر الشيعة استقبلت هولاكو ورحَّبت به نكايةً في السُّنَّة، فذلك أمر ذَكَرَهُ بعضُ المؤرخين على اختلاف بينهم في تصوير درجة تعاون الشيعة مع هولاكو: فأبو المحاسن يذكر انه انضم إلى جيش هولاكو ((خلق من أهل الكرخ الرافضة))(21)، أما رشيد الدين الهمذاني فيذكر أنه أثناء حصار بغداد قدِمَ على هولاكو بعض العلويين والفقهاء من الحلة، والتمسوا إليه أن يعيِّن لهم شحنة، فأرسل في أثرهم جنده ليختبروا صدقَهم ويقفوا على مدى إخلاصهم، فأحسنوا استقبالهم وأقاموا الأفراح ابتهاجاً بهم))(22).


لكن أبا المحاسن لم يوضح لنا مقدار هذا الخلق من الشيعة الذين انضمُّوا إلى جيش هولاكو: فإن كانوا قلَّة لا يكون الأمر مستغرّباً، لأن عناصر الخيانة غالباً ما تطفو على السطح في أوقات المحن والشدائد، وليس بالضرورة أن يكونوا من الشيعة فقط، وهم على أية حال لا يمثِّلون حينئذ اتجاهاً عاماً يدين أهل الكرخ؛ وإنْ كانوا كثرة فمعنى هذا أن أبا المحاسن ينسب إلى الشيعة في بغداد خيانة عامة . وإذا كان الأمر كذلك فَلِمَ أعملَ المغولُ سيوفَهم في أهل السنة والرافضة معاً عندما اقتحموا بغداد، وقد نصَّ هو على ذلك؟(23).


أما ما ذكره رشيد الدين فلا ينهض دليلاً على خيانة القوم بقدر ما يعكس لنا مشاعر الخوف التي سيطرت على عامة الناس سِنِّيِّهم وشيعيِّهم على حدٍّ سواء؛ ولقد كان في مقدِّمة جيوش هولاكو بعض جند بدر الدين لؤلؤ (صاحب الموصل)، ومع ذلك لم يتهمه أحدٌ بخيانة الخليفة أو خيانة المسلمين، لعلمهم أن الرجل أُكرهَ على سلوك هذا الطريق الوعر، وطالما نبَّهَ الخليفةَ سِرِّاً إلى الخطر المحدق، لكنه لم يلتفت إليه(24).


إنَّ الخيانة ــ في ظني ــ لا تتحقق إلاّ إذا وُجدت القيادة الواعية المخلصة التي تجنِّد الجميع في جهد منظَّم لدرء خطرٍ يتهددهم؛ أما في حالة الضياع وانعدام القيادة وترك الناس يواجهون مصيرهم فإن مقاييس الأمانة والخيانة تصبح مقاييس حساسة يجب أن تستعمل بدقَّة وحَذَرٍ بالغين في الحكم على الناس الذين من حقهم في هذه الحالة أن يجتهدوا لدرء الخطر عن أنفسهم. ولقد كانت بغداد تعيش حالة الضياع هذه وهي تواجه أشرس عدوٍّ عرفته البشرية في تأريخها الطويل.


بقيت القضية الرابعة: وهي قضية نصير الدين الطوسي وما اتًُّهم به من تشجيع هولاكو على الزحف على بغداد، ثم هوَّن عليه بعد ذلك قتلَ الخليفة المستعصم، وهو ما ذهب إليه رشيد الدين وابن كثير(25)؛ ورواية رشيد الدين أوسع وأكثر تفصيلاً بحكم عمله في دولة إيلخانات المغول التي قامت في فارس.


فيذكر رشيد الدين أن هولاكو طلب من منجِّمه حسام الدين أن يحدد له الوقت المناسب للزحف على بغداد، فحذَّره من مغبَّة الأمر لإن كل مَن قَصَدَ بغدادَ والعباسيين لم يستمتع بالمُلْك والعمر، علاوةً على ما سيترتب على ذلك من كوارث كونية كالزلازل والعواصف، ثم موت الملك الأعظم؛ فاستدعى هولاكو نصير الدين الطوسي ــ وكان قد ألحقَه بخدمته بعد أن سقطت قلاع الإسماعيلية الذين كان يعيش في كنفهم ــ وطلب رأيه في هذا الأمر ((فخاف وظنَّ أن الأمر على سبيل الاختبار، فقال: لن تقع أية واقعة من هذه الأحداث، فقال هولاكو: إذن ماذا يكون؟ قال: إن هولاكو سيحل محل الخليفة)). فأحضر هولاكو منجِّمَه ليتباحث مع الطوسي، فأخذ الأخير يبرهن على صحة وِجهة نظره بأنَّ كثيراً من الصحابة استشهدوا ولم يحدث فسادٌ قط، وإن كثيراً من العباسيين قُتِلوا ولم تختلّ الأمور(26).


ولعل في تعبير رشيد الدين ((فخاف وظنَّ أن الأمر على سبيل الاختبار)) ما يبرئ ساحة الطوسي، لأن الرجل فعلاً كان قريبَ عهدٍ بخدمة هولاكو، وربما ظنَّ أن هذا أول امتحان له لمعرفة صدق نواياه تجاه المغول. فإذا أضفنا إلى ذلك ما قاله ابن شاكر الكتبي عنه من أنه ((كان للمسلمين به نفعٌ خصوصاً الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم، وكان يَبَرُّهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقافهم))(27)، وذلك بعد أن أصبح ذا نفوذ في دولة المغول. إذا أضفنا ذلك أدركنا ــ على الأقل ــ انه ليس لدينا دليل أكيد على سوء نية هذا الرجل تجاه الخلافة وتجاه إخوانه المسلمين المخالفين له في المذهب.


مما مضى يتبين لنا أن الغزو المغولي لبغداد كان أمراً واقعاً لا محالة، وأن ابن العلقمي لا دخل له في حدوثه، فقد كان هذا الأمر حصاد جهود طويلة قام بها المغول في منطقة غرب آسيا منذ عام 618هـ/1221م واختبروا فيها أهم القوى الموجودة في المنطقة حتى تأكَّدَ لهم أن الخلافة العباسية متداعية، وأن دولة الأيوبيين في الجزيرة والشام مفككة، وأن مماليك مصر لم يهدأ الصراع بينهم وبين الأيوبيين منذ سلبوا هذا الإقليم منهم في عام 648هـ/1250م، وأن سلاجقة الروم بدأوا يمرون بأخطر مراحل ضعفهم منذ وفاة علاء الدين كيقباد (آخر السلاطين الأقوياء في عام 634هـ/1237م، ولذا جاء توقيتهم لتوجيه الضربة المميتة للخلافة العباسية دقيقاً وحاسماً.


وأغلب الظن أن الذي أثار مسألة خيانة ابن العلقمي حتى أصبحت أمراً متداولاً على أقلام المؤرخين السُّنِّيين المعاصرين للنكبة ومَن جاء بعدهم أمران: الأول أنه الوحيد الذي أبقى عليه المغول من بين الشخصيات الهامة وتركوه في منصبه(28)، وهذه كافية لأن توضَعَ أمامها علامة استفهام كبيرة. والأمر الثاني هو الخلاف الذي كان موجوداً بين ابن العلقمي الشيعي، ومجاهد الدين أيبك السني (قائد جيش الخليفة) يؤازره الابن الأكبر للمستعصم. ومهما حاول المؤرخون إظهار الخلاف بين الرجلين على أنه خلاف مذهبي فهو في رأيي لا يعدو أن يكون خلافاً سياسياً طبيعياً يحدث في كثير من الأحيان بين السلطتين: السياسية والعسكرية، ومن الطبيعي أن يتبادل الفريقان الاتهامات في هذا الجو المكفهرّ الذي تكتنفه الأخطار من كل جانب. وقد ادرك رشيد الدين هذه الحقيقة فذكرَ أن مجاهد الدين لما كان خصماً للوزير فإن أتباعه كانوا يذيعون في الناس أن الوزير متفق مع هولاكو وأنه يريد نصرته وخذلان الخليفة، فقوي هذا الظن(29).


وليس معنى هذا أننا نسعى إلى تبرئة ساحة ابن العلقمي، فإننا نقول للمرة الثانية إن بقاءه حياً بعد مقتل سيِّدِه ومعظم أعوانه يجب أن يوضع أمامه علامة استفهام كبيرة(30). ونحن لا نستبعد أن يكون المغول هم الذي بدأوا بمكاتبته، فقد كانت هذه المكاتبات ومحاولة استمالة بعض العناصر إليهم إحدى الوسائل التي سلكوها لتسهيل سيطرتهم على بعض المناطق؛ فعلوا هذا مع شهاب الدين غازي (صاحب خلاط وميافارقين)، ومع بدر الدين لؤلؤ (صاحب الموصل)(31).


وقد يُستأنس في هذه النقطة بما ذكره المقريزي من أنه في عام 654هـ/1256م وصلت جواسيس هولاكو إلى الوزير ابن العلقمي ببغداد، وتحدثوا معه، ووعدوا جماعة من أمراء بغداد، والخليفة في لهوه لا يعبأ بشيء(32).


وقد يكون هذا الوزير بذلَ النُّصحَ الصادق للخليفة لكن طبيعة الصراع المحتدم بينه وبين القوى العسكرية ممثلة في الدويدار الصغير شكَّكت الخليفة في صدق نواياه قلم يلتفت إلى نُصحه؛ ويُستأنس هنا بما ذكره ابن كثير ــ وهو ممن حَمَلَ على هذا الوزير بقسوة ــ فيقول: إن هولاكو لما خرج من همذان في طريقه إلى بغداد أشار ابن العلقمي على الخليفة بأن يبعث إليه بهدايا سنيَّة ليكون ذلك مداراة عما يريده من قَصْدِ بلادهم، فخذل الخليفة عن ذلك دويداره الصغير أيبك وغيره وقالوا: إن الوزير إنما يريد بهذا مصانعة التتار بما يبعثه إليهم من الأموال، وأشاروا بأن يبعث بشيء يسير، فأرسل الهدايا، فاحتقرها هولاكو(33).


وليس من المستبعد أيضاً أن لا يكون هناك أي اتصال سابق لهذا الوزير بالمغول إذا شئنا أن نصدَّق المؤرخ الشيعي ابن الطقطقى الذي يروي عن ابن أخت الوزير أن ابن العلقمي لما خرج للقاء هولاكو أثناء حصار بغداد وسمع كلامه منه، وَقَعَ منه موقعَ الاستحسان، وأن الذي تولَّى تقديمه إلى هولاكو نصيرُ الدين الطوسي(34). وقد كان من سياسة هولاكو تخيّر بعض العناصر الجيدة من المجتمعات التي يفتحها والإبقاء عليها للانتفاع بها في مجال العلم والإدارة كما فَعَلَ بنصير الدين الطوسي وغيره. وابن العلقمي كان متعدد المواهب في رأي بعض المؤرخين السنيين: فهو عند ابن شاكر الكتبي وزير كفء خبير بتدبير المُلْك(35)؛ وعند ابن العماد الحنبلي وزير فاضل لكنه مغالٍ في التشيع(36)؛ ولديه ــ عند ابن كثير ــ فضيلة الأدب والإنشاء(37). فليس من المستبعد أن تكون هذه المزايا إلى جانب ــ إلى جانب وجود الطوسي في بلاط هولاكو ــ هي التي أبقت عليه، وجعلت هولاكو يثق به ويعينه وزيراً لبغداد بعد رحيله عنها.


كل هذه الاحتمالات التي طرحناها توحي بأنه ليس هناك دليل أكيد على خيانة هذا الرجل، فالأمر مستغلق كما يقول براون(38) ((وسيظل مستغلقاً غامضاً ما شاء الله له أن يكون؛ فإذا لم نشأ أن ندعو للوزير بالرحمة ــ كما فعل ابن الطقطقى ــ فلا أقلَّ من أن نمتنع عن لعنته كما فعل صاحب طبقات ناصري. ومن الملاحظ أن الأخير يتغالى في سنيته أكثر مما يتغالى ابن الطقطقى في تشيُّعه))(39).


إن الشيء الأكيد الآن هو أن سقوط بغداد لم يكن للشيعة دور فيه، وأن ما أثاره المؤرخون السنيُّون حول هذه القضية كان لوجود عدة ملابسات خارجية منها: وجود ابن العلقمي الشيعي في منصب وزير الخليفة ، ووجود الطوسي الشيعي مستشاراً لهولاكو الغازي، ثم الفتن المذهبية ــ القريبة العهد من سقوط بغداد ــ بين السنة والشيعة، والصراع بين السلطتين السياسية والعسكرية في بغداد، ومحاولة صبغِهِ بالصبغة المذهبية الطائفية؛ كل هذه الملابسات جعلت المؤرخين يوجِّهون هذا الاتهام وهم يتابعون أخبار محنة تشيب لهولها الولدان، وكان من الصعب عليهم أن يواصلوا رحلتهم في هذا التِّيه وهم متجرِّدون تماماً عن أفكارهم السابقة.


لقد كان سقوط بغداد ــ وسط هذه الظروف ــ أمراً واقعاً لا محالة سواء وُجِدَ الشيعة أم لم يوجدوا)).


انتهت مقالة الدكتور عبد المجيد أبو الفتوح بدوي التي جعلها خاتمة لكتابه الذي ذكرناه في صدر المقالة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) باحث في التأريخ الاسلامي.


(2) تأريخ الأدب في إيران، 587 ــ 588.


(3) ابن كثير: البداية والنهاية، 13/196 ــ 201.


(4) تأريخ الخلفاء للسيوطي، 435؛ شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، 5/272.


(5) حسن إبراهيم: تأريخ الإسلام السياسي، 4/157.


(6) الكامل في التأريخ لابن الأثير، 12/378 ــ 379.


(7) الكامل في التأريخ لابن الأثير، 12/503.


(8) ابن الفوطي: الحوادث الجامعة، 111 ــ 112؛ ابن العبري: تأريخ مختصر الدول، 438.


(9) ابن الفوطي: الحوادث الجامعة، 199 ــ 200، 241 ــ 242.


(10) انظر: زامباور: معجم الأنساب والأسرات الحاكمة، 2/360؛ تأريخ مختصر الدول، 261.


(11) ذكر براون ان الجمعية الكبرى للمغول (قريلتاي) اجتمعت في عام 649هـ/1251م في بداية عهد مانكوخان وقررت إيفاد بعثتين حربيتين: الأولى إلى الصين ويتولاّها قبلاي خان أخو الإمبراطور، والثانية إلى إيران والعراق وآسيا الصغرى ويرأسها الأخ الأصغر للإمبراطور هولاكو خان (تأريخ الأدب في إيران، 565 ــ 566). ويشير رشيد الدين الهمذاني إلى بعض الأسباب التي جعلت المغول يوجِّهون هاتين الحملتين فيذكر أن أحد قُوَّاد المغول في إيران أرسل إلى الإمبراطور يشكو إليه الملاحدةَ (الأسماعيليةَ) وخليفةَ بغداد، ويضيف إلى ما سبق قوله: إن الإمبراطور رأى أن بعض الممالك قد دخل فعلاً في حوزته وبعضها لم يُستخلَص بعد، فوجَّه أخاه قوبلاي إلى بلاد الشرق، وكلَّف هولاكو بفتح غرب إيران والشام ومصر وبلاد الروم والأرمن (جامع التواريخ، 2(1)/233 ــ 234).


(12) جامع التواريخ، 2(1)/243.


(13) جامع التواريخ، 2(1)/256.


(14) جامع التواريخ، 2(1)/267.


(15) يقول ابن كثير في حوادث عام 655هـ: ((وفيها كانت فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة وأهل السنة، فنُهِبَ الكرخُ ودُورُ الرافضة حتى دُور قرابات الوزير ابن العلقمي، وكان ذلك من أقوى الأسباب في ممالأته التتار)) (البداية والنهاية، 13/196).


(16) انظر: السلوك للمقريزي، 1(2)/400، الحاشية رقم 2؛ البداية والنهاية، 13/202.


(17) انظر: طبقات الشافعية، 5/110 ــ 111؛ البداية والنهاية، 13/201؛ السلوك للمقريزي، 1(2)/412؛ النجوم الزاهرة، 7/48. ويذكر ابن كثير أن العساكر في آخر أيام المستنصر كانت قريباً من 100000مقاتل، فلم يزل ابن العلبقمي يجتهد في تقليلهم حتى لم يبقَ منهم سوى 10000 (البداية والنهاية، 13/202).


(18) البداية والنهاية، 13/204 ــ 205.


(19) المختصر في أخبار البشر، 3/191.


(20) الحوادث الجامعة، 320 ــ 321.


(21) النجوم الزاهرة، 7/49.


(22) جامع التواريخ، 1(2)/295 ــ 296.


(23) النجوم الزاهرة، 7/50.


(24) النجوم الزاهرة، 7/48 ــ 49.


(25) البداية والنهاية، 13/201؛ جامع التواريخ، 1(2)/279 ــ 280.


(26) جامع التواريخ، 1(2)/279 ــ 280.


(27) فوات الوفيات، 2/310 ــ 311.


(28) يقول كاتب هذا البحث يوسف الهادي: لقد سها قلمُ هذا الباحث الفاضل أعني الدكتور عبد المجيد أبو الفتوح فتصور الأمر كذلك. والحقيقة هي أن هولاكو قد عيَّن لبغداد إدارة مدنية يديرها حشدٌ من كبار الشخصيات ومنهم من كان من أركان حكم الخليفة المستعصم، ومنهم من قام بوساطة لكي يُعَيَّن في الإدارة المدنية الجديدة، ولنقرأ ما يقوله مؤلف كتاب الحوادث المعاصر لهذه الوقائع: ((ورحل السلطان (هولاكو) من بغداد في جمادى الأولى عائداً إلى بلاده ومقرِّ مُلْكه، وفوَّض الأمر إلى الأمير علي بهادر وجعله شحنة بها (وهو المنصب الذي يعادل اليوم منصب مدير الشرطة العام)؛ وإلى الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي؛ وصاحب الديوان فخر الدين ابن الدامغاني؛ ونجم الدين أحمد بن عمران، وهو من أهل باجِسرى كان يخدم في زمن الخليفة عاملاً، فاتَّصل الآن ببعض الأمراء وحَضَرَ بين يدي السلطان (هولاكو) وأنهى إليه من حال العراق ما أوجبَ تقديمه وتشريفه وتعيينه في الأعمال الشرقية وهي الخالص وطريق خراسان والبندنيجين، وأن يتفق مع الوزير وصاحب الديوان في الحكم ولقب المُلْك؛ ونجم الدين عبد الغني بن الدَّرنوس؛ وشرف الدين العلوي المعروف بالطويل؛ وكان تاج الدين علي ابن الدوامي حاجب الباب قد خرج مع الوزير (ابن العلقمي) إلى حضرة السلطان (هولاكو)، فأمر أن يكون له صدر الأعمال الفراتية، فلم تَطُلْ مُدَّتُه وتوفي في ربيع الأول، فَجَعَلَ ولدَه مجدَ الدين حسين عوضه؛ وحَضَرَ أقضى القضاة نظام الدين عبد المنعم البندنيجي بين يدي السلطان فَأمَرَ بأن يُقَرَّ على القضاء)) (كتاب الحوادث، 361، طبعة حققها الدكتور بشار عواد معروف وعماد عبد السلام رؤوف، صدرت عن دار الغرب الإسلامي سنة 1997). وسنلقي فيما بعد أضواء على كل واحد من هؤلاء ومهامه الخطيرة في عهد الخليفة المستعصم.


(29) جامع التواريخ، 1(2)/274.


(30) بنفس القدر الذي ينبغي أن توضع فيه علامات استفهام كبيرة أمام كل واحد من الشخصيات المهمة ممن ذكرناهم في الهامش السابق الذين ظلوا أحياء وعيَّنهم هولاكو في مناصب خطيرة (يوسف الهادي).


(31) ذكر سبط ابن الجوزي أنه في عام 638هـ أرسل تولي بن جنكيزخان رسالة إلى شهاب الدين غازي صاحب خلاط وميافارقين يدعوه هو وملوك الإسلام إلى الدخول في طاعته، ويذكر أنه عيَّنه سلحداراً (مرآة الزمان، 8(2)/733).


(32) السلوك، 1(2)/400.


(33) البداية والنهاية، 13/200.


(34) الفخري، 338.


(35) فوات الوفيات، 2/312.


(36) شذرات الذهب، 5/222.


(37) البداية والنهاية، 13/203.


(38) في لغت نامه دهخدا (مادة براون): إدوارد براون (1862 ــ 1926)، الأستاذ في جامعة كمبريدج المتضلِّع من اللغات الفارسية والعربية والتركية، من آثاره: تأريخ الأدب الإيراني في 4 مجلدات (يوسف).


(39) تأريخ الأدب في إيران، 588.




هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

سطر التاريخ خيانات الشيعة ضد الأمة الإسلامية
فهل يريد الشيعة الآن صك غفران


من المعروف أن من أهم أسباب انهيار الحضارة الإسلامية و انتقالها للغرب هو سقوط دار العلم بغداد بيد المغول هذا السقوط لم يكن ممكناً لولا مساعدة الشيعة للمغول .

الشيعه في جميع ادوار التاريخ يتملقون للحكام المسلمين اذا كانت الدوله قويه ، اما اذا ضعفت او هوجمت من عدو انحازوا الى صفوفه وانقلبوا عليها. كما حصل في أواخر الدولة الأموية ، حيث كانت ثوره العباسيين عليهم بتسويل الشيعه و تحريضهم و دسائسهم ، ثم كانوا في مثل هذا الموقف الاجرامي مع دولة بني العباس ايضاً عندما كانت مهدده باجتياح هولاكو والمغول الوثنيين لخلافة الاسلام و عاصمة عزه ومركز حضارته وعلومه ، فبعد ان كان النصير الطوسي حكيم الشيعه ينظم الشعر في التزلف للخليفه العباسي المعتصم ، مالبث ان انقلب عليه سنة 655 محرضا عليه ومتعجلا نكبة الاسلام في بغداد وجاء في طليعة موكب السفاح هولاكو واشرف معه على اباحة الذبح العام في رقاب المسلمين والمسلمات اطفالا وشيوخا ، ورضي بتغريق كتب العلم الاسلامي في دجله حيث ذهب نفائس التراث الاسلامي ، وقد اشترك معه في ارتكاب هذه الخيانة العظمى زميلان له احدها : وزير شيعي وهو محمد بن احمد العلقمي ، والاخر : مؤلف معتزلي اكثر تشيعاً من الشيعه وهو عبد الحميد بن ابي الحديد ، اليد اليمنى لابن العلقمي، وقد عاش عدوا لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شحن به شرحه الخبيث لكتاب ( نهج البلاغه ) من الاكاذيب التي شوهت تاريخ الاسلام ولا يزال ينخدع بها من يجهلون حقائق ماضي الاسلام ودخائله.

أخي القارئ المصادر أجمعت على أن ابن العلقمي كان الساعد الأيمن لهولاكو في غزو بغداد واستباحة الأموال والأنفس وقد ساعد هولاكو في قتل الخليفة عندما أحجم عن قتله نصير الدين الطوسي بإصدار فتوى بجواز ذلك.

يقول حاخام إيران الأكبر الخميني:
و يشعر الناس بالخسارة بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي و أضرابه ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام و نحن نسأل نائب الخرافة المنتظر ما هي الخدمات التي قدمها للإسلام و المسلمين غير القتل و الإرهاب؟
و أما إذا كان يقصد خدماته التي قدمها للطاغية التتري هولاكو و أنه يمثل الإسلام، فهذا يكون له وجه آخر عند من يكون همهم معاونة الكفار على أهل السنة .

و لا يخفى على من له أدنى وعي تاريخي بالشيعة دور الوزير ابن العلقمي الخياني في سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك ، وما جره على المسلمين من القتل والخراب والذل والهوان بالاتصال بهولاكو وإغرائه بغزو العراق وهيأ له من الأمور ما يمكنه من السيطرة والاستيلاء .

وقد سلك ابن العلقمي في التخطيط لذلك الأمر بأن أشار على الخليقة المستعصم بتسريح أكبر عدد ممكن لتخفيف الأعباء المالية على الميزانية العامة فوافقه الخليفة على ذلك ولم يكن يعلم الخليفة بأن اقتراح الوزير ما هو إلى إضعاف جيش الخلافة في مواجهة الغزاة التتار حتى أن الجنود تدهورت حالتهم الاجتماعية والمالية مما اضطرهم إلى الاستخدام في حمل القاذورات.

ولكي نلم ببعض جوانب تلك الخيانة العلقمية نورد بعض أقوال المؤرخين في بيان حقيقة ابن العلقمي وما قام به من المساهمة في سقوط الخلافة الإسلامية:

جلال الدين السيوطي:إن ابن العلقمي كاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد

أبو شامة شهاب الدين بن عبد الرحمن بن إسماعيل:
إن التتار استولوا على بغداد بمكيدة دبرت مع وزير الخليفة

قطب الدين اليونيني البعلبكي
وكاتب الوزير ابن العلقمي التتر وأطمعهم في البلاد ، وأرسل إليهم غلامه وسهل عليهم ملك العراق ، وطلب منهم أن يكون نائبهم في البلاد ، فوعدوه بذلك ، وأخذوا في التجهيز لقصد العراق ، وكاتبوا بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في أن يسير إليهم ما يطلبونه من آلات الحرب ، فسير إليهم ذلك ولما تحقق قصدهم علم أنهم إن ملكوا العراق لا يبقون عليه فكاتب الخليفة سراً في التحذير منهم ، وأنه يعد لحربهم فكان الوزير لا يوصل رسله إلى الخليفة ومن وصل إليه الخليفة منهم بغير علم الوزير اطلع الخليفة وزيره على أمره ..

ويتابع البعلبكي في وصف جيوش التتار الزاحفة عل ى بغداد وبعد أن تمكنوا هزيمة الحامية الهزيلة في صد الغزو فيقول ؛ فحينئذ أشار بن العلقمي الوزير على الخليفة بمصانعة ملك التتر ومصالحته وسأله أن يخرج إليه في تقرير زواج ابنته من ابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى سلطان الروم في سلطنة الروم لا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية، وينصرف بعساكره عنك فتجيبه إلى هذا فإنه فيه حقن دماء المسلمين ، ويمكن بعد ذلك أن يفعل ما تريد فحسن له الخروج إليه فخرج في جمع من أكابر أصحابه فأنزل في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا عقد النكاح فيما أظهره فخرجوا فقتلوا وكذلك صار يخرج طائفة بعد طائفة

شمس الدين الذهبي
وأما بغداد فضعف دست الخلافة وقطعوا أخبار الجند الذين استنجدهم المستنصر وانقطع ركب العراق، كل ذلك من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي جهد في أن يزيل دولة بني العباس ويقيم علويا وأخذ يكاتب التتار ويراسلونه والخليفة غافل لا يطلع على الأمور ولا له حرص على المصلين

ابن شاكر الكتبي
وأخذ يكاتب التتار (إبن العلقمي) إلى أن جرأ هولاكو وجره على أخذ بغداد

عبد الوهاب ابن تقي الدين السبكي
وكان شيعيا رافضياً (ابن العلقمي) في قلبه غل للإسلام وأهله وحبب إلى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر فصار الجند يطلبون من يستخدمهم في حمل القاذورات ومنهم من يكاري على فرسه ليصلوا إلى ما يتقوتون به

ثم يصف لنا السبكي مؤامرة ابن العلقمي في قتل الخليقة والعلماء والفقهاء واستباحة بغداد وإراقة الخمور في بيوت الله تعالى فيقول:
وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي ثم إنه ضرب سوار على عسكرة وأحاط ببغداد فأشار الوزير على الخليفة بمصانعتهم وقال؛ أخرج أنا إليهم في تقرير الصلح، فخرج وتوثق لنفسه من التتار ورجع إلى المعتصم وقال؛ إن السلطان يا مولانا أمير المؤمنين قد رغب في أن يزوج بنته بابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته ولا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية ، ونصرف عنك بجيوشه فمولانا أمير المؤمنين يفعل هذا فان فيه حقن دماء المسلمين وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما نريد والرأي أن تخرج إليه . فخرج أمير المؤمنين بنفسه في طوائف من الأعيان إلى باب الطاغية هولاكو ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم.

فأنزل الخليفة في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا العقد فخرجوا من بغداد فضربت أعناقهم وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم ثم طلب حاشية الخليفة فضرب أعناق الجميع ثم طلب أولاده فضرب أعناقهم، و أما الخليفة فقيل أنه طلبه ليلا وسأله عن أشياء ثم أمر به ليقتل. فقيل لهولاكو: إن هذا إن أريق دمه تظلم الدنيا و يكون سبب خراب ديارك فإنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة الله في أرضه فقام الشيطان المبين الحكم نصير الدين الطوسي وقال يقتل ولا يراق دمه وكان النصير من أشد الناس على المسلمين، فقيل إن الخليفة غم في بساط و قيل رفسوه حتى مات.

و لما جاءوا ليقتلوه صاح صيحة عظيمة، و قتلوا أمرائه عن أخرهم، ثم مدوا الجسر وبذلوا السيف ببغداد و استمر القتل ببغداد بضعاً وثلاثين يوماً و لم ينجوا إلى من اختفى و قيل إن هولاكو أمر بعد ذلك بعدّ القتلى فكانوا ألف ألف وثمانمائة ألف النصف من ذلك تسعمائة ألف غير من لم يعد و من غرق ثم نودي بعد ذلك بالأمان فخرج من كان مختبئ وقد مات الكثير منهم تحت الأرض بأنواع من البلايا والذين خرجوا ذاقوا أنواع الهوان والذل ثم حفرت الدور وأخذت الدفائن والأموال التي لا تعد ولا تحصى وكانوا يدخلون الدار فيجدون الخبيئة فيها وصاحب الدار يحلف أن له السنين العديدة فيها ما علم أن بها خبيئة، ثم طلبت النصارى أن يقع الجهر بشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و أن يفعل معهم السلمون ذلك في شهر رمضان، فألزم المسلمون بالفطر في رمضان و أكل الخنزير و شرب الخمر، و دخل هولاكو إلى دار الخليفة راكباً لعنه الله و استمر على فرسه إلى أن جاء سدة الخليفة و هي التي تتضاءل عندها الأسود و يتناوله سعد السعود كالمستهزئ بها و انتهك الحرم من بيت و غيره، و أعطى دار الخليفة لشخص من النصارى و أريقت الخمور في المساجد و الجوامع و منع المسلمون من الإعلان بالأذان فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذه بغداد لم تكن دار كفر قط و جرى عليها هذا الذي لم يقع قط من منذ قامت الدنيا مثله، و قتل الخليفة و إن كان وقع في الدنيا أعظم منه إلا أنه أضيف له هوان الدين و البلاء الذي لم يختص بل عم سائر المسلمين.

حسن الديار بكري
ابن العلقمي الرافضي كان قد كتب إلى هولاكو ملك التتار في الدست أنك تحضر إلى بغداد وأنا أسلمها لك . و كان قد داخل قلب اللعين الكفر، فكتب هولاكو : إن عساكر بغداد كثيرة فإن كنت صادقا فيما قلته ، و داخلا في طاعتنا ، فرّق عساكر بغداد ، و نحن نحضر ، فلما وصل كتابه إلى الوزير ، و دخل إلى المستعصم و قال ؛ إنك تعطي دستورا لخمسة عشر ألف من عسكرك وتوفر معلومهم. فأجاب المستعصم لذلك ، فخرج الوزير لوقته ومحا اسم من ذكر في الديوان ثم نفاهم من بغداد ومنعهم من الإقامة بها ثم بعد شهر فعل مثل فعلته الأولى ومحا اسم عشرين ألفا من الديوان ، ثم كتب إلى هولاكو بما فعل و كان قصد الوزير بمجيء هولاكو أشياء منها :

أنه كان رافضيا خبيثا وأراد أن ينقل الخلافة من بني العباس إلى العلويين فلم يتم له ذلك من عظم شوكت بني العباس وعساكرهم ففكر أن هولاكو قد يقتل المستعصم وأتباعه ثم يعود لحال سبيله وقد زالت شوكت بني العباس وقد بقي هو على ما كان عليه من العظمة والعساكر وتدبير المملكة فيقوم عند ذلك بدعوة العلويين الرافضة من غير ممانع لضعف العساكر و لقوته ثم يضع السيف في أهل السنة فهذا كان قصده لعنه الله.

و لما بلغ هولاكو ما فعل الوزير ببغداد ركب وقصدها إلى أن نزل عليها وصار المستعصم يستدعي العساكر ويتجهز لحرب هولاكو وقد اجتمع أهل بغداد وتحالفوا على قتال هولاكو وخرجوا إلي ظاهر بغداد ومضي عليهم بعساكره فقاتلوا قتالا شديدا، وصبر كل من الطائفتين صبرا عظيما ، وكثرت الجراحات والقتلى في الفريقين إلى أن نصر الله تعالى عساكر بغداد وانكسر هولاكو أقبح كسرة وساق المسلمون خلقهم وأسروا منهم جماعة وعادوا بالأسرة ورؤوس القتلى إلى ظاهر بغداد ونزلوا بخيمهم مطمئنين بهروب العدو ، فأرسل الوزير ابن العلقمي في تلك الليلة جماعة من أصحابه فقطعوا شط دجلة فخرج مائها على عساكر بغداد وهم نائمون فغرقت مواشيهم وخيامهم وأموالهم وصار السعيد منهم من لقي فرسا يركبها، وكان الوزير قد أرسل إلى هولاكو يعرفه بما فعل ويأمره بالرجوع إلى بغداد فرجعت عساكره إلى بغداد وبذلوا فيها السيف.

ويقول الأستاذ حسن السوداني- معاصر:
لقد اتفق ابن العلقمي والطوسي مع ملة الكفر ضد الخلافة الإسلامية بحجة الدفاع عن أنصار الإمام علي رضي الله عنه وشيعته . ومعرف أن الطوسي يسمى أستاذ البشر والعقل الحادي عشر ، و سلطان المحققين وأستاذ الحكماء والمتكلمين و أصله من طوس وهي من توابع مدينة قم ، و يعتبر الطوسي فخر الحكماء ومؤيد الفضلاء ونصير الملة ، ولا ندري هل كان هولاكو من هؤلاء الفضلاء الذين أيدهم الطوسي ؟ وهل كان المغول هي الملة التي نصرها الطوسي على المسلمين فهتكت الأعراض وخربت مركز الحضارة الإسلامية ؟ لقد كان الطوسي وابن العلقمي من حاشية هولاكو وهو يخرب ضريح الإمام موسى الكاظم فلم يبد منهما ما ينم عن اعتراض!

تجمع المصادر التي وصفت الساعات الأخيرة من حياة الخلافة العباسية الإسلامية على أن هولاكو قد استشار أحد المنجمين قبل أن يبدأ غزوته و كان المنجم الفلكي حسام الدين مسلما غيورا على المسلمين و حياتهم فقرأ له ما يلي: إن كل من تجاسر على التصدي للخلافة و الزحف بالجيش إلى بغداد لم يبق له العرش و لا الحياة ، و إذا أبى الملك أن يستمع إلى نصحه و تمسك برأيه فسينتج عنه ست مهالك: تموت الخيل ، و يمرض الجند ، لن تطلع الشمس و لم ينزل المطر ثم يموت الخان الأعظم.

لكن مستشاري هولاكو قالوا بغزو بغداد وعدم الاستماع لرأي المنجم ، فاستدعى هولاكو العلامة نصير الدين الطوسي الذي نفا ما قاله حسام الدين و طمأن هولاكو بأنه لا توجد موانع شرعية تحول دون إقدامه على الغزو و لم يقف الطوسي عند هذا الحد بل أصدر فتوى يؤيد فيها وجهة نظره بالأدلة العقلية و النقلية وأعطى أمثلة على أن كثيرا من أصحاب الرسول قتلوا ولم تقع الكارثة، و غزا هولاكو بغداد بفتوى الطوسي وبمعلومات ابن العلقمي وهما وزيراه الفارسيان ، و لم يستسلم المستعصم فقد أشار عليه البعض بأن ينزل بالسفينة إلى البصرة ويقيم في إحدى الجزر حتى تسنح الفرصة ويأتيه نصر الله لكن وزيره ابن العلقمي خدعه بأن الأمور ستسير على ما يرام لو التقى بهولاكو.

فخرج المستعصم ومعه 1200 شخصية من قضاة ووجهاء وعلماء فقتلهم هولاكو مرة واحدة، و وضع المستعصم في صرة من القماش و داسته سنابك الخيل وكان قتلى بغداد كما تقول المصادر المعتدلة 800 ألف مسلم ومسلمة كانوا هم ضحايا ابن العلقمي و الطوسي و الأخير كان قد أصدر فتوى بجواز قتل المستعصم حين تردد هولاكو عن قتله ،،،فافهمه الطوسي أن من هو خير منه قد قتل و لم تمطر الدنيا دماً، و قد استبيحت بغداد في اليوم العاشر من شباط عام 1258 و لم يكن ذلك اليوم آخر نكبة حلت بالأمة على يد الوزراء الفرس و لابسي العمامة الفارسية المجوسية.



ونستطيع أن نجمل دورهم الخياني والتآمري في النقاط التالية:


1. تزيين عملية الغزو للأمريكان والإنجليز والصهاينة، وتصوير العراق لهم بأنه نزهة ربيعية، وبأن العراقيين سوف يستقبلونهم بالورود والرياحين، وهذا هو عين ما فعله أجدادهم مع التتار والصليبيين من قبل. ويستطيع أي مراقب اليوم، أن يرى التطابق التام، بين ما يفعله الخونة الأحفاد من أدعياء التشيع، مع "اليهود الصهاينة والصليبيين الصهاينة" من أمريكان وإنجليز ومن تحالف معهم من الأذناب والمنافقين، في استعدائهم على العراق، وتشجيعهم لهم على غزوه وتدمير حضارته وسرقة خيراته، وما فعله الخونة الأجداد من أتباع "ابن العلقمي" و"نصير الكفر الطوسي" في استعداء التتار على بغداد، وتشجيعهم هولاكو على غزوها وتدميرها أيضاً!!!

2. التركيز على قتل العلماء والوجهاء والفضلاء والمفكرين من السنة، أو اعتقالهم ومحاكماتهم والتنكيل بهم، وهذا عين ما فعله أجدادهم من قبل...

3. الحقد الهائل على الرموز الحضارية في العراق، والتركيز العجيب على حرق المكتبات، وسرقة المتاحف، وهذا عين ما فعله أجدادهم الخونة من قبل، الذين أغرقوا ملايين الكتب والمخطوطات العراقية في نهر دجلة حتى تغير لونه، وذلك لما يكنّونه من حقد دفين على حضارة الأمة وتراثها!!!

4. إشاعة روح الفوضى والغوغائية، وبث شعور الخوف والرعب وانعدام الأمن في البلد، وتشجيع عمليات الثأر والقتل والخطف والسرقة والانتقام، وهو عين ما فعله أجدادهم الخونة من قبل!!!

5. العمل كأدلاء ومترجمين للغزاة والمحتلين على عورات المسلمين من أهل السنة، وإرشادهم إلى أماكن وجودهم واختفائهم، وتعاونهم معهم على قتلهم واعتقالهم، تماماً كما فعل أجدادهم الخونة مع التتار والصليبيين!!!

6. منع أهل الغيرة من العرب والمسلمين في الدول المجاورة من نصرة بغداد، واعتبار ذلك من الكبائر..ففي الوقت الذي تحشر فيه الصهيونية العالمية كل ما تستطيع حشره من وسائل الشر والتدمير، وتستعدي على الأمة دولاً وشعوبًا لا نكاد نعرف موقعها على الخارطة، يمنع "الصفويون" في العراق شرفاء العرب والمسلمين من نصرة إخوانهم العراقيين، ويعتبرون ذلك "إرهاباً"، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها من أجل ضبط دول الجوار لحدودها في وجه "المتسللين الإرهابيين"!!!

7. إشاعة الفاحشة في البلد، وترويج بيع الخمور والمخدرات، لتخدير شباب الأمة، وصرف عقولهم عن التفكير بما يدبّرونه من مآسٍ لوطنهم...

8. مساعدة الحاقدين من الأقليات التي تعيش في العراق كالنصارى والصابئة وعباد الشيطان وغيرها، على رفع رءوسهم، والتجرؤ على أقوال وأفعال، لم يكونوا ليحلموا بالتجرؤ عليها من قبل، مثل: المجاهرة بالتعرّي المفضوح، وفتح أوكار الدعارة، وبيع الخمور والمخدرات، وتحدي مشاعر المسلمين في إظهار شعائرهم المنحرفة، والإفطار العلني في رمضان، بل إجبار المسلمين على الإفطار أيضاً... إلخ. وهذا هو عين ما فعله أجدادهم الخونة في بغداد كما رأينا من قبل...

والتاريخ يعيد نفسه في العراق الآن وأنتم شهداء على قتل السنة وتهجيرهم وما زال التاريخ يسطر خيانات الشيعة

غير معرف يقول...

يا ويلكم من الله!

تاريخنا دموي الله وكيل!
هل نحن أحفاد هذا الإرث الكبير؟!
هل ذاكرتنا المجهدة تتحمل كل هذا الإجهاد؟!
كل يوم اكتشف هول الإرث الثقيل الذي ورثناه!
لا سامح الله الظالمين والحاقدين!
لا أفضل من عدم القراءة والقتال على جبهات أخرى!
في هذه الأثناء، لا أزال مؤمنا بأن الشيعة والسنة سيتقاربان في هذا العصر!

تحية من القارة السابعة!

غير معرف يقول...

اسمح لي ان أخالفك الرأي وأبوح لك ما في صدري.

أولا- (والآن إلى القضية الأولى التي ترى أن ابن العلقمي كان السبب في مجيء المغول إلى بغداد والقضاء على الخلافة العباسية. وهي قضية خطيرة تبنَّاها ــ مع الأسف ــ أكثرُ المؤرخين السُّنيين الذين أشرنا إليهم. ولقد كان في إمكانهم أن يكونوا أكثر واقعية لو أنهم اقتصروا على اتِّهام ابن العلقمي بمجرد خيانة الخليفة وإخوانه من السنَّة دون أن يجعلوه السبب الرئيس في غزو بغداد).

كنت اود ان المح لكتب التاريخ ما ذكرت منها وما لم تذكر, لتصحيح ما ورد في المقال من اخطاء فادحة,مع جل احترامي للكاتب,لكن بعد ما اوردته سالفا,رأيت انه من غير المجدي فعله.غير انني احب ان اسأل,ما القصد في الواقعية؟؟ أتكون الواقعية تلطيف صورة بشعة ام تحريف حدث حقيقي؟؟ يعني لو أرخنا اليوم لسقوط بغداد على يد مغول عصرنا هذا,وكتبنا محققين الواقع بالتاريخ والأسماء بأمانة وواقعية حقة,ويأتي احد الباحثين بعد مئة عام قائلا انه كان لزاما علينا ان نكون واقعيين ومنصفين في سرد الأحداث وتفنيدها,فما ينفع التأريخ بعد هذه النظرية,وكيف يتوخى الصدق بعد ابطال ركائزه وتجرده؟.هنا أحب ان أذكر انني لا أجد مخرجا لأخطاء الخليفة ولا للنظام السائد حينها.


ثانيا- (فيذكر رشيد الدين أن هولاكو طلب من منجِّمه حسام الدين أن يحدد له الوقت المناسب للزحف على بغداد، فحذَّره من مغبَّة الأمر لإن كل مَن قَصَدَ بغدادَ والعباسيين لم يستمتع بالمُلْك والعمر، علاوةً على ما سيترتب على ذلك من كوارث كونية كالزلازل والعواصف، ثم موت الملك الأعظم؛ فاستدعى هولاكو نصير الدين الطوسي ــ وكان قد ألحقَه بخدمته بعد أن سقطت قلاع الإسماعيلية الذين كان يعيش في كنفهم ــ وطلب رأيه في هذا الأمر ((فخاف وظنَّ أن الأمر على سبيل الاختبار، فقال: لن تقع أية واقعة من هذه الأحداث، فقال هولاكو: إذن ماذا يكون؟ قال: إن هولاكو سيحل محل الخليفة)). فأحضر هولاكو منجِّمَه ليتباحث مع الطوسي، فأخذ الأخير يبرهن على صحة وِجهة نظره بأنَّ كثيراً من الصحابة استشهدوا ولم يحدث فسادٌ قط، وإن كثيراً من العباسيين قُتِلوا ولم تختلّ الأمور(26).ولعل في تعبير رشيد الدين ((فخاف وظنَّ أن الأمر على سبيل الاختبار)) ما يبرئ ساحة الطوسي، لأن الرجل فعلاً كان قريبَ عهدٍ بخدمة هولاكو، وربما ظنَّ أن هذا أول امتحان له لمعرفة صدق نواياه تجاه المغول. فإذا أضفنا إلى ذلك ما قاله ابن شاكر الكتبي عنه من أنه ((كان للمسلمين به نفعٌ خصوصاً الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم، وكان يَبَرُّهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقافهم))(27)، وذلك بعد أن أصبح ذا نفوذ في دولة المغول. إذا أضفنا ذلك أدركنا ــ على الأقل ــ انه ليس لدينا دليل أكيد على سوء نية هذا الرجل تجاه الخلافة وتجاه إخوانه المسلمين المخالفين له في المذهب).

طالما ان الرجل كان في خدمة هولاكو,واثر ان ينافقه لينجو بنفسه,واضعا دماء المسلمين على سيف سفاح مجرم,فكيف بالله عليك القول بعدم وجود دليل على سوء نيته الواضحة وضوح الشمس؟؟ وكيف يبرأ من انحيازه لمذهب دون الاخر بعد ان قوي عضده في دولة المغول لصالح الشيعة والعلويين حسب ما ذكرت؟؟. هل نحن في صدد اجتهاد جديد لمعنى الخيانة,فتصبح لدينا خيانة كبرى وخيانة صغرى؟.

يا سيدي الفاضل

الخائن لا دين له ولا هوية ولا مذهب,فأنا لا أدين الشيعي ولا انتصر للسني,فالسادات لم يكن شيعيا,ومع ذلك أعطى لما يسمى باسرائيل ما لم تستطع انتزاعه من جمال عبد الناصر بالمدفع,ووهبها ما لم يقدر عليه بن غوريون نفسه وصحبه واتباعه الى يوم الدين,نحن لا نتهم مذهبا او دينا او تيارا دون الاخر,لكننا لا نقبل بتبريرات وتفسيرات للخسة والنذالة والجبن والهوان,ولا نجهد لايجاد اعذار للأخطاء الجسيمة والفادحة,وعلينا ان نقبل الحق ولو على انفسنا,ونعمل بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام (أنصر اخاك ظالما او مظلوما),بالوقوف بوجهه وارشاده للحق ان كان ظالما,وبنصرته ان كان مظلوما,وتلك برأيي هي الواقعية.لا مجال لخلاص هذه الأمة الا اذا اتحدت,وانصهرت بكل اطيافها في جسد واحد,اذا اصابت الحمى جزءا واحدا منه,تداعت له سائر الأعضاء بالدواء والسهر حتى يبرى,والا,فسنبقى في هذه الدوامة المريبة,حيث يقول السني ليس الشيعي على شئ,ويقول الشيعي ليس السني على شئ,فتذهب ريحنا وتفوح رائحتنا,حتى نصل الى وقت لا نجد فيه أرضا لنواري فيها جثثنا المتفحمة بفسفور الديمقراطية الشوهاء المحرفة والمنحرفة,وفرق الموت الشعوبية العصبية والمزيفة.

وتقبلوا تعليقي مع فائق التقدير والاحترام.